jeudi 15 octobre 2009

♥♥هذه هي زوجتي♥♥


تأليف
أبو أحمد

عصام بن محمد الشريف
رحمه الله


تقديم
فضيلة الشيخ
أبو بكر جابرالجزائري
الباب الرابع

النساء يشتكين






وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً [النساء: 128]
ماذا تفعل الزوجة الصالحة إن خافت من زوجها نشوزًا أو إعراضًا عنها؟
ماذا تفعل الزوجة الصالحة إذا حدث بينها وبين زوجها خلاف أو مشكلة؟
ماذا تفعل الزوجة الصالحة إذا رأت من زوجها ما لا تحب؟
ماذا تفعل الزوجة الصالحة إذا دخل الشيطان بينها وبين زوجها؟
ما هو الموقف الشرعي السليم للزوجة الصالحة، إذا ظهرت مشاكل داخل البيت وخلافات من جهة زوجها؟

هذه مجموعة من الأسئلة التي تعرضها النساء على أهل العلم، فبم أجابوها؟


السؤال الأول: زوجي تارك للصلاة ويسب الدين ويسيء التصرف معي، فماذا أفعل معه؟

يقول الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله:

(إذا كان الواقع من زوجها هو ما ذكرته في السؤال من تركه الصلاة وسب الدين، فإنه بذلك كافر، ولا يحل لك المقام عنده، ولا البقاء معه في البيت، بل يجب عليك الخروج إلى أهلك، أو إلى مكان تأمنين فيه لقول الله سبحانه في شأن المؤمنات لدى الكفار: 
لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة: 10].
ولقول النبي : "
العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".
ولأن سب الدين كفر أكبر بإجماع المسلمين، فالواجب عليك بغضه في الله، ومقاومته، وعدم تمكينه من نفسك، والله سبحانه يقول: 
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3].
يسرَّ الله أمرك وخلصك من شره ـ إن كنت صادقة ـ وهداه الله للحق ومنَّ عليه بالتوبة، إنه سبحانه جواد كريم
).





السؤال الثاني: زوجي ـ سامحه الله ـ رغم ما يلتزم به من الأخلاق الفاضلة والخشية من الله، لا يهتم بي إطلاقًا في البيت، ويكون دائمًا عابس الوجه، ضيق الصدر ـ قد تقول أنني السبب ـ ولكن الله يعلم أنني ـ ولله الحمد ـ قائمة بحقه، وأحاول أن أقدم له الراحة والاطمئنان وأبعد عنه كل ما يسوءه وأصبر على تصرفاته تجاهي.
وكلما سألته عن شيء أو كلمته في أي أمر غضب وثار، وقال: إنه كلام تافه وسخيف، مع العلم أنه يكون بشوشًا مع أصحابه وزملائه، أما أنا فلا أرى فيه إلا التوبيخ والمعاملة السيئة، وقد آلمني ذلك منه وعذبني كثيرًا، وترددت مرات في ترك البيت.
وأنا ـ ولله الحمد ـ امرأة تعليمي متوسط، وقائمة بما أوجب الله عليَّ. فيا سماحة الشيخ: هل إذا تركت البيت وقمت أنا بتربية أولادي، وأتحمل مشاق الحياة أكون آثمة؟ أم هل أبقى معه على هذه الحال وأصوم عن الكلام والمشاركة والإحساس بمشاكله؟
أفيدوني ماذا أعمل؟ جزاكم الله خيرًا...


أجاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز:


(لا ريب أن الواجب على الزوجين المعاشرة بالمعروف، وتبادل وجوه المحبة والأخلاق الفاضلة مع حسن الخلق وطيب البشر؛ لقول الله عز وجل: 
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19]، وقوله سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة: 228].
وقول النبي : "
البر حسن الخلق".
وقوله عليه الصلاة والسلام: "
لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلق أخاك بوجه طلق" خرجهما مسلم في صحيحه.
وقوله : "
أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وخياركم خياركم لنسائهم وأنا خياركم لأهلي" إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الدالة على الترغيب في حسن الخلق، وطيب اللقاء، وحسن المعاشرة بين المسلمين عمومًا، فكيف بالزوجين والأقارب؟!

ولقد أحسنت في صبرك وتحملك ما حصل من الجفاء وسوء الخلق من زوجك، وأوصيك بالمزيد من الصبر وعدم ترك البيت لما في ذلك ـ إن شاء الله ـ من الخير الكثير، والعاقبة الحميدة لقوله سبحانه: 
وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46]، وقوله عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 90]. وقوله سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10]. وقوله سبحانه: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود: 49].

ولا مانع من مداعبته ومخاطبته بالألفاظ التي تُلين قلبه، وتسبب انبساطه إليك وشعوره بحقك، واتركي طلب الحاجات الدنيوية، ما دام قائمًا بالأمور المهمة الواجبة، حتى ينشرح قلبه، ويتسع صدره لمطالبك الوجيهة، وستحمدين العاقبة إن شاء الله، وفقك الله للمزيد من كل خير، وأصلح حال زوجك، وألهمه رشده، ومنحه حسن الخلق وطيب البشر، ورعاية الحقوق، إنه خير مسؤول وهو الهادي إلى سواء السبيل)
.






السؤال الثالث: زوجي أحسبه على خير، إلا أنه لا يرفق بي. دائمًا عالي الصوت، يثور لأتفه الأسباب، لا يقول أبدًا: "قدر الله وما شاء فعل"، هذا تقصير منك وإهمال و.... وتوبيخ إلى ما لا نهاية. ماذا أفعل؟

وأخرى تشتكي وتقول: زوجي يضربني ويشتمني، بل ويسبني أحيانًا مما يؤذيني جدًا، وأحيانًا يتطور الأمر إلى الضرب المبرح بما فيه ضرب الوجه، متعللاً بعدم ضبط النفس عند الغضب.

قلت: عليك بالصبر وحسن الخلق، ومقابلة الإساءة بالإحسان، فلعل ذلك يؤثر فيه، وحاولي اغتنام الوقت المناسب لتتفاهمي معه على أوجه القصور عندك، حتى لا يضطره ذلك إلى ضربك أو شتمك أو غير ذلك، وكأنك أنت المخطئة، حتى يحمله ذلك على التواضع والاعتراف بالخطأ.
كذلك حاولي أن تقرأي معه أو تستمعي معه إلى مادة علمية في كتاب أو شريط عن حسن الخلق، وضوابط ضرب النساء، ونحو ذلك مما تجدين عنده تقصير فيه.
وأنا أخاطب الزوج هنا، وخاطبيه من بعدي: إن حسن الخلق أخي الحبيب، لهو من علامات صلاح العبد واستقامته على الدين، بل جعل الله عز وجل تتميم صالح الأخلاق أحد المقاصد الرئيسية لبعثة رسول الله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "إنما
بُعثت لأتمم صالح الأخلاق" وفي رواية "مكارم الأخلاق"( ). وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه مرفوعًا: "أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقًا"( ).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله  قال: "
ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة"( ).
ولم يكتف الشرع بعموم النصوص التي تحض على حسن الخُلق مع الخَلق كافة، بل خص النساء بذلك، وجعل حسن الخلق معهن معيار الخيرية والفضل.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "
أكمل المؤمنين إيمانًا: أحسنهم خلقًا، وخياركم: خياركم لنسائهم"( ).
أخي الحبيب: إن الزوجة أمانة ووديعة عندك، فحافظ عليها، واتق الله فيها، وأحسن صحبتها.
عن حجر بن قيس قال: خطب علي رضي الله عنه إلى رسول الله... فاطمة رضي الله عنها، فقال: "
هي لك على أن تحسن صحبتها"( ).
وهل من حسن الصحبة شتمها وسبها ولعنها، بل وضربها ضربًا شديدًا وفي وجهها؟! ولو أنك أخي الزوج تذكرت يوم فراقك لها أو فراقها لك، لأعانك ذلك على حسن الصحبة، والصبر عليها، وكف الأذى عنها.
قال الحسن:
ابدأ أهلك بمكارم الأخلاق، فإن الثواء "الإقامة" فيهم قليل.
فاتق الله تعالى في زوجك أخي المسلم، وأحسن صحبتها، وعاشرها بالمعروف، واحذر الألفاظ النابية، فإنها ليست من خُلق المسلم، وكذا احذر ضرب الوجه فهو محرم لقوله : "ولا
تُقبح الوجه، ولا تضرب"( ) أي الوجه.
أما الضرب المبرِّح، فهو أيضًا محرم، والضرب المباح هو الضرب غير المبِّرح، وهو أيضًا مقيد بشروط:
منها: أن تصر زوجتك على عصيانك.
ومنها: أن يتناسب العقاب مع نوع التقصير، فلا تبادر إلى الضرب المباح وأنت لم تجرب معها الوعظ والإرشاد، أو الهجر في المضجع.
ومنها: أن يراعي أن المقصود من الضرب العلاج والتأديب، فيراعي التخفيف.
ومنها: تجنب المواضع المخوفة كالرأس والبطن، وكذا الوجه.
واعلم أصلحك الله، أن الأولى والأفضل ترك الضرب مع بقاء الرخصة فيه بشرطه، فقد اتفق العلماء على أن ترك الضرب، والاكتفاء بالتهديد أفضل، وذلك لأحاديث وردت في ذلك منها: قوله صلى الله عليه وسلم : "
لا تضربوا إماء الله"( ).
____________________________

( ) صحيح، رواه البخاري في الأدب المفرد، والحاكم وغيرهما. السلسلة الصحيحة رقم (45).
( ) رواه الطبراني، وصححه الألباني في الصحيحة، رقم 433.
( ) رواه الترمذي وأبو داود، وهو صحيح. صحيح الجامع الصغير برقم 5726.
( ) أخرجه الترمذي والإمام أحمد وغيرهما، وصححه الألباني. الصحيحة برقم 284.
( ) رواه الطبراني في الكبير (4/40)، وصححه الألباني في الصحيحة برقم 166.
( ) جزء من حديث رواه أبو داود وأحمد وغيرهما، وصححه الألباني. إرواء الغليل (7/98).
( ) أخرجه أبو داود وابن ماجه وغيرهما، وصححه الألباني. صحيح الجامع برقم 7360.
__________________

السؤال الرابع: زوجي يمكث وقتًا طويلاً خارج البيت، ولا يفكر في أن يجلس معي أو مع أولاده، فأين حقنا عليه؟


وأخرى تقول: زوجي يُضيع حقي في تعليمي أمور الشرع، ويتهرب مني، بل وأتحايل عليه ليشرح لي بعض أبواب العلم، أو مسألة فقهية تحتاج إلى جلوس معي فلا أجده، فأين الجلسات الأسبوعية التي يجب على الزوج الملتزم أن يجلسها مع أهل بيته، لاسيما إذا كان من أهل الدعوة والعلم والإرشاد؟!!


قلت: إن للمرأة من الأسلوب وحلو الكلام، ما يجعل الرجل يحب البيت، ويحب الجلوس مع زوجته وأولاده، فإذا ما هيأت المرأة لزوجها المناخ الهادئ الطيب داخل البيت النظيف الجميل، حمله ذلك على الجلوس فيه بقدر الحاجة. ثم عليك أن تبحثي عن الأسباب التي تجعل الزوج لا يجلس معك، فربما بسببك أنت أو بسبب أولادك، من سلوك خاطئ، أو مظهر غير طيب أو نحو ذلك، وعليك أن تسألي زوجك مباشرة ـ إن لم يكن عندك تقصير ـ ما هي الأسباب التي تحمله على عدم الجلوس معك وأولادك في البيت ليعلمكم مما علمه الله؟!
وأنا أخاطب الزوج هنا، وخاطبيه من بعدي:
أخي الحبيب: إذا كانت لقمة العيش، أو حتى شئون الدعوة إلى الله، تشغلك عن بيتك وأهلك بصورة تشكو منها الزوجة، فاعلم أن هذا الوضع غير طبيعي، بل إنك بعد مدة ستجد نفسك في واد، وزوجتك في واد آخر.

يقول الدكتور محمد الصباغ حفظه الله:

(
والشغل متنوع، وأكثره في الدنيا والكسب، غير أن هناك نوعًا غريبًا جدًا من أنواع الشغل، وهو ما يكون للدعوة وإصلاح الناس، وذلك خطأ في تصور الدعوة والعمل فيها، والمرء مطالب بأن يصلح أهله أشد المطالبة. يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[التحريم:6]،وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا[طـه: 132].
وهذا الإهمال لأهله سيوقعهم في الانحراف والمخالفة، وعندئذ لا يقوى على الاستمرار في الدعوة؛ إذ سرعان ما تلوكه الألسنة، ويقال له: "إن كنت صادقًا فأصلح بيتك"، ويكون هذا الوضع الخاص مُضعفًا لتأثيره في الناس؛ لأن معنى القدوة يفوت بوجود مثل هذا الوضع، ويكون ذلك سببًا في أن يتعكر صفوه، وتتنغص عليه لذاته، وفي أن تتولد فيه عقد، وتواجهه مشكلات، قد تحول بينه وبين الاستمرار في الدعوة.
إن الانشغال عن الأهل تفريط في حق الرجل والأسرة، وظلمٌ بيِّن، إذ كيف يسوغ للإنسان أن يحبس زوجه وينطلق هو في عمله وزياراته وقراءاته وكتابته وعبادته، ويترك شريكة حياته نهبًا للوساوس والخطرات، والوحشة والأزمات، أو يتركها للانغماس في المجتمع الذي يسير في طريق آخر
).

وقال فضيلته في موضع آخر:

(
إن كثيرًا من الصالحين يشغلون عن أولادهم بأمور عامة تتصل بالدعوة، يحسبون أنهم بذلك يقومون بخدمة جليلة، وذلك لَعَمر الله تقصير كبير. إن أحق الناس بتوجيهك أولادك وزوجك الذين معهم تعيش، وبهم تعرف، وشرّهم وخيرهم مقرون بك، وقد تضطرك الأيام إلى أن تكون بحاجة برهم ورعايتهم، وقد يفيدك أن تحظى بدعوة من أحدهم تخفف عنك ما أنت فيه من الضيق والكرب بعد موتك، أو تزيدك من الخير في آخرتك)( ).
لذلك أخي الحبيب أنصحك بأن تتفق مع زوجك على عقد جلسة أسبوعية ثابتة ـ ما أمكن ـ تعلمها فيها الحلال والحرام، إما بالقراءة أو بسماع شريط، ومن هنا يكون الاتفاق على النهج الصحيح داخل البيت من تربية الأولاد والعلاقة بينكما وغير ذلك. ولا تنس أيضًا فلذات أكبادك، بالقصة الإسلامية الهادفة التي تجذبهم ويتعلمون منها، وكذا حفظ القرآن والترغيب فيه بجوائز مالية أو معنوية.


_______________________________________

السؤال الخامس: أشكو من جفاف الناحية العاطفية عند زوجي:



قلت: الرجال صنفان: صنف جُبل في بيئته على الجدَّ وعدم الملاطفة واللهو المباح والابتسامة الجميلة، وصنف تربى على الحب والمودة والكلمة الحلوة والعاطفة الجياشة التي تظهر في سلوكه وعلى لسانه.
فالصنف الأول: مهما تكلف، فعطاؤه قليل، ولكن نقول له: هذا لا يمنع أن تسمع زوجك منك الكلمة الطيبة، والابتسامة الحانية، وترى منك طلاقة الوجه وبشاشة المُحيا.
وأنا أخاطبه من هنا، وخاطبيه من بعد:
أخي الحبيب، عن جابر بن سليم رضي الله عنه أن رسول الله  قال له: "ولا تحقرن شيئًا من المعروف، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه بوجهك، فإن ذلك من المعروف"( ).
ورواه مسلم عن أبي ذر بلفظ "
لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلق أخاك بوجه طلق".
ومَنْ أحق من زوجك بهذا المعروف، وبهذا الوجه البشوش، وبهذه الكلمة الحانية الطيبة.
(
نعم... ما أجدرنا أن نعوّد ألسنتنا على الكلام الطيب في أول حياتنا الزوجية، ومما يتصل بالكلمة الطيبة طريقة إلقائها، فقد تزيد هذه الطريقة ـ إن كانت حلوة عذبة ـ من تأثيرها، وما أجدرنا أن نعوّد عضلات وجوهنا الابتسامة التي تبسط أكثر المسائل تركيبًا وتعقيدًا، وتمنحنا قوة في التغلب على كل المصاعب)( ).
لماذا لا تتذكر أخي الحبيب قوله تعالى: 
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة: 83]، وقوله تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء: 53].
لماذا لا تتذكر أخي الحبيب قوله : "
إن في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها" فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال : "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائمًا والناس نيام"( ).

(كم تضيع علينا في حياتنا العائلية والاجتماعية فرص سعادة وغنى وأنس، كنا على مقربة منها لو قلنا كلمة حلوة، ولكنَّا أضعناها عندما لم نلق بالكلمة الطيبة. إن كلمة واحدة تستطيع أن تفعل شيئًا كبيرًا، فبسبب كلمة قامت حروب، وبسبب كلمة تآلفت قلوب.
إن الكلمة الطيبة أغلى عند الزوجة في كثير من الأحيان من الحلي الثمين، والثوب الفاخر الجديد؛ ذلك لأن العاطفة المحببة التي تبثها الكلمة الطيبة غذاء الروح، فكما أنه لا حياة للبدن بلا طعام، فكذلك لا حياة للروح بلا كلام حلو لطيف.
لماذا نهمل الكلمة الطيبة في نطاق الأسرة وهي لا تكلفنا شيئًا؟
إن السعادة كلها ربما كانت كامنة في كلمة فيها مجاملة ومؤانسة يقولها أحد الزوجين لصاحبه أو الوالد لابنه.
أجل... إن علينا أن تكون ألسنتنا رطبة بذكر الله، وبالكلام المعسول الجميل، لاسيما عندما نخاطب أزواجنا... إن المرأة الشرقية عاطفية إلى أبعد الحدود.
إن الخطأ الذي يقوم في حياتنا الزوجية، مبني على فهم خاطئ لفكرة رفع الكلفة، حتى إن كثيرًا من الناس ليقع في الأغلاط المدمرة لحياته الأسرية بحجة رفع الكلفة، يقول أحدهم: إن زوجتي ولدت ولدين أو ثلاثة أو أربعة فلم نعد عروسين نحتاج إلى الملاطفة والمجاملة أو الكلمة المأنوسة، قد مضى وقت ذلك. إن هذا خطأ فادح يجر ذيول التعاسة والشقاء على عش الزوجية، وقد يدمر بناء الأسرة ويقضي على نفسية الأولاد.
لماذا لا تكون الملاطفة مع من نعايش؟ لماذا لا تكون الكلمة الطيبة مع الأزواج والأولاد، ألسنا بشرًا سواء أكنا عرسانًا أم كنا قد تقدمت بنا الأيام والسنون، وسواء أأنجبنا أم لم ننجب؟ ولو أننا نظرنا إلى حياة رسول الله  مع أزواجه، لرأينا أنها مثال الملاطفة والمؤانسة، فلقد كان يؤانسهن ويمازحهن ويُعمر نفوسهن بالكلمة الحلوة، والنظرة الحانية، والتصرف الودود، ويحتمل منهن أخطاءهن.
إن تجاهل حاجة الزوجة إلى العاطفة العذبة التي تفيض بها الكلمة الطيبة، يجعلها تحمل بين جوانبها حجرًا مكان القلب، مما يعكر على الزوج حياته؛ لأننا نعيش بالمعاني لا بالأجساد فقط، وليس في الحجارة من المعاني شيء.
إن رتبة كتف حانية من الزوج، مع ابتسامة مشرقة مقرونة بكلمة طيبة، تذيب تعب الزوجة، وتنعش فؤادها المشرئب للعطف والحنان، فهل لك يا أخي أن تنتبه إلى نفسك، وتتأسى بسيدنا رسول الله  الذي يقول الله تبارك وتعالى فيه: 
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ [الأحزاب: 21].

اشكر زوجتك على صحن الطعام اللذيذ الذي قد أعدته لك بيديها... اشكرها بابتسامة ونظرة عطف وحنان.. أثن عليها، وتحدث عن محاسنها وجمالها، والنساء يعجبهن الثناء ويؤثر فيهن... وإذا كان الكذب محظورًا، فقد أباح لك الإسلام طرفًا منه في علاقتك الزوجية، عندما يكون ذلك سببًا لتعميق المودة وتحقيق التفاهم.
اذكر لها يا أخي امتنانك لرعايتها، وخدمتها لك ولبيتك وأولادك، وإن كان هذا من اختصاصاتها، وإن كانت لا تقدم إلا ما تقدمه النساء عادة... لكنَّ ذلك من قبيل الكلمة الطيبة التي تؤكد أسباب المودة والرحمة...
قل لها الكلمة الطيبة ولو نقصتها شيئًا من الطعام والمال والكساء، إنها حينئذ ستسعد وستحس بدفء الحنان والعطف والمودة في أعماق قلبها... وإذا أصبح قلبها مترعًا بهذه المعاني، دفع دماءها حارة مغردة في عروقها... وستندفع في خدمتك، وتعيش معك العمر آمنة مطمئنة، وسوف ترى أنت بريقًا يتراقص في عينيها، وابتسامة مشرقة على شفتيها، وسينطلق لسانها بالحديث عنك وإليك بالكلمة الطيبة)( ).


__________________________________________
( ) أخرجه أبو داود، وصححه ابن حبان.
( ) نظرات في الأسرة المسلمة.
( ) أخرجه الإمام أحمد والحاكم وغيرهما، وهو حديث حسن. صحيح الجامع برقم 2123.
( ) المصدر السابق بتصرف.




السؤال السادس: أشكو زوجي حيث لا يريد أن ينفق عليَّ وأنا مريضة، مدعيًا بأن ذلك ليس بواجب عليه.

قلت: رائحة السؤال تنبئ عن مشاكل وخلافات بينكما، وإلا لو أراد أن يمتنع لامتنع عن أي نفقة أخرى عدا الإنفاق عليك وأنت مريضة.
لذا أنصحك أن تفتشي عن هذه الأسباب وتعالجيها، فربما التقصير من جهتك.
وإن كان التقصير من عنده فأنا أخاطبه من هنا وخاطبيه من بعدي:
أخي الحبيب: ألا تعلم أن من حقوق زوجتك عليك النفقة عليها وعلى أولادها في المطعم والمشرب والملبس والمسكن، وغير ذلك مما تحتاج إليه الزوجة لإقامة مهجتها، وقوام بدنها.
أما تعلم أن الرجل قد نال القوامة والفضل على المرأة بسبب إنفاقه عليها، فقال عزَّ من قائل: 
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء: 34]، وقال تعالى أيضًا: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً [الطلاق:7].
وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "
أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تُقبح الوجه، ولا تضرب". وفي رواية للإمام أحمد بزيادة: "ولا تهجر إلا في البيت، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض، إلا بما حل عليهن"( ).
إذن فالنفقة واجبة، ومن باب أولى ساعة المرض.
أليست المرأة محبوسة عليك بمقتضى عقد الزواج، ممنوعة من التصرف والاكتساب لتفرغها لحقك، فكان واجبًا عليك الإنفاق عليها، وإلا فماذا تفعل؟!
أخي الحبيب: تب إلى ربك، وعظم حرمات الله وشعائره، واتق الله في أهلك.
__________________________________________________ _____
( ) رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما، وصححه الألباني. الإرواء (7/98).


*******************


والآن أيها المسلم: هل عرفت صفات الزوجة الصالحة؟
وأنت أيتها المسلمة: هل عرفت الآن ما هي صفاتك الغالية، كي تكوني الزوجة الصالحة، والأم الرؤوم المربية لأجيال صالحة.
فعلى بركة الله، فبارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير. 
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان: 74].
اللهم امنن علينا بصلاح عيوبنا، واجعل التقوى زادنا، وفي دينك اجتهادنا، وعليك توكلنا واعتمادنا.
اللهم اجعل في قلوبنا نورًا نهتدي به إليك، وتولنا بحسن رعايتك حتى نتوكل عليك، وارزقنا حلاوة التذلل بين يديك، ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، وصلّ اللهم على عبدك ونبيك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
_________





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire